14 - 07 - 2024

وجهة نظري | بائعة الخبز وتجار الأوهام

وجهة نظري | بائعة الخبز وتجار الأوهام

اعتدنا على تصريحاتهم الوردية وكلماتهم المعسولة، خاصة في أول عهدهم بالمنصب والأيام الأولى لجلوسهم على كراسي السلطة البراقة.. ثم تثبت لنا الأيام كل مرة أن لاجديد تحمله كلماتهم وأن كل وعودهم تذروها الرياح، فلا يتبقى منها سوى غصة لسراب أمل حلمت به أعيننا ليخفف قدرا من وطأة حياتنا الصعبة ويجمل بعضا من قفر أيامنا التي بدت جرداء معتمة حزينة ..

لم يكن غريبا أن نستقبل حركة تغيير المحافظين الجديدة بدون حماس وفتور وأدنى أمل في تغيير حالنا للأفضل .. تشاؤم لايبدو مفرطا وسط موجة سياسات أطاحت بماتبقى لنا من حلم في تخفيف حمل أعبائنا، لا التركيز فقط على تخفيف أحمال الكهرباء الكريه.

لم تحرك تصريحات المحافظين الجدد لنا ساكنا، ولم نستبشر خيرا أمام جولاتهم الصاخبة للتأكيد على جديتهم وحماسهم في حل مشاكل محافظاتهم .. اعتدنا على أن لكل محافظ جديد شدة تماما مثل الغربال لكن سرعان ماتعود ريما لعادتها القديمة وتظل الحال كما هو عليه إن لم يكن يسير للأسوأ ..

اعتدنا كل المواقف الموجهة لتكريس صورة الجدية والحزم والضرب بيد من حديد على كل مخالف، لكن الحقيقة مافعله اللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية فاق كل التوقعات.. بعدما ماتردد عن إقتحامه منزل سيدة وأمر بمصادرة أكياس الخبز التي تحملها واتخاذ الإجراءات القانونية ضد أصحاب المخابز المخالفة التي تسهل لمثل هذه التجاوزات.

وبالرغم من نفى المحافظ اقتحام منزل تلك السيدة، وتأكيده أنه رآها في الشارع وهى تحمل الأكياس، وبرر مافعله بأنه رسالة لكل من يحاول مخالفة القانون والاستيلاء على سلع مدعمة لايستحقها.

تبدو الرسالة مقنعة، لكن الأكثر إقناعا وتأثيرا وتعاطفا حال تلك السيدة الفقيرة التي يشى بها منزلها المتواضع .. الذي اقتحمه المسؤولون ليفتشوا عن خبز مدعوم بين أقفاص متهالكة بجوار زوج نحيل ضعيف بلغ من الوهن والعجز وقلة الحيلة ما لا تخطؤه عين.

لم يرأف أحد بحاله، لم يَرْثَ أي منهم لتواضع البيت وفقر أصحابه، لم يفكر أحد كيف يقضى هؤلاء يومهم كيف يسدوا رمقهم!! هل لديهم مصدر رزق يكفى احتياجاتهم البسيطة!! هل يتناولون وجباتهم الثلاث أم يضعون حجرا لكتم جوع بطونهم الخاوية!! هل لديهم بالفعل مايتناولون أم يكتفون بكسرات الخبز يبتلعونها مع ملح حياتهم الشحيحة!! هل مازالوا يحلمون بطعم  اللحوم أم أنها باتت من الأحلام المنسية!!

هل تحايلهم إن صح للحصول على مزيد من كسرات الخبز يعد سرقة، أم أن جريمة السرقة يجب أن يُعفى من عقابها الجائعون كما فعل الفاروق عمر في عام المجاعة!!

رسالة المحافظ لم تصل .. تماما مثلما لم تصل رسالته بوقف عدد من بطاقات التموين لضبطها مع شخص غير مالكيها وتشديده على أصحاب المخابز بعدم صرف الخبز إلا لأصحاب البطاقات شخصيا أو أحد أبنائهم منعا لضياع حق المواطن .. متجاهلا أن كثير من حاملى البطاقات من العجائز وأنه كثيرا ما يتضامن بعضهم البعض وشراء الخبز بتجميع البطاقات خدمة للمرضى أو تسهيلا لظروف طارئة يمر بها أحدهم أو لإعفائه من تعب الوقوف في طوابير الخبز وسط حرارة جو ملتهب ونيران فرن يزيده سخونة وإختناقا.

الرحمة تأتى دوما فوق العدل .. والأهداف النبيلة إن خلصت النوايا يمكن أن تتحقق بطرق لاتقل عنها إنسانية ونبلا .. والرغبة في إثبات الجدية والحزم والضرب بيد من حديد على المخالفين وإثبات الذات وتكريس صورة المنقذ الناجح المستحق عن جدارة كرسى المنصب وألق الجاه لايمكن أن تتحقق على أشلاء المطحونين والمهمشين والفقراء، فالأهم هو القدرة على مواجهة الحيتان الكبار تجار الوطن الفاسدين مصاصى دماء الشعب وسارقى كنوزه وثرواته .. هؤلاء هم الأولى أن توجه لهم ضربة رادعة بيد من حديد.. والقضاء عليهم هي الخطوة الأولى التي ستتبعها حتما اختفاء اللصوص الصغار من المحرومين الجياع الصغار.

إذا أردنا حقا أن نخطو على الطريق الصحيح علينا أن نواجه بقوة تجار الوهم وسارقى أحلام البسطاء وثروات الأوطان.
-----------------------------------
بقلم: هالة فؤاد 

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | بائعة الخبز وتجار الأوهام